أنا فاتن أبو رمان، من محافظة البلقاء، درست الهندسة الزراعية، تخرجت قبل 15 سنة ولم أحظ بفرصة للعمل في مجال تخصصي، مما دفعني للإنطلاق نحو العمل التطوعي والمجتمعي. إكتشفت روعة العمل المجتمعي وأهمية خدمة الآخرين، والأهم أنني شعرت بقيمة رسم الإبتسامة على وجوه السيدات والأطفال. تطوعت بعدة مشاريع تعنى باللاجئين السوريين الأطفال والشباب،أصبح لدي قاعدة إجتماعية واسعة، وصديقات من كافة المناطق،تمكنت من العمل في جمعية "موسى الساكت للتنمية"، منسقة للعديد من المشاريع والمبادرات المجتمعية، جعلتني التجربة أؤمن بأهمية التنظيم المجتمعي وبأن التغيير يبدأ بخطوة.

 

 كأم لأربعة أطفال، كانت وما لا زالت قضية التنمر والعنف المدرسي مصدر قلق لي وللعديد من الأهالي، كثيرة هي القصص التي نسمعها عن مشاكل العنف والتنمر، إنشغلت بالتفكير بها وجعلتني أشعربألم الأهل الذين لا يستطيعون فعل أي شيء حيال الموضوع.

أحياناً أشعر بعدم وجود تواصل كافٍ مع المعلمات والمعلمين لاسيما في مدارس الذكور، وبالتالي فإن فرصة التعاون معهم لمعرفة ما اذا كان أحد الأطفال يتعرض للتنمر أو العنف تكون قليلة، حتى أن الكثير من الأبناء يرفضون أن تأتي أمهاتهم للسؤال عن أدائهم في اجتماعات الأهالي بسبب ثقافة العيب المنتشرة. وكنت دوما أتساءل، أي مجالس أولياء الأمور؟ لماذا لانفعّل هذه المجالس؟ وكشخص اعتاد على التطوع واخذ زمام المبادرة، قررت ان أقوم بحملة مجتمعية حول تفعيل دور مجالس أولياء الأمور.

 

بدأت مع زميلتي هبة الوزني بطرح فكرة تفعيل دور مجالس أولياء الأمور على السيدات في منطقتنا، وقمنا باجتماعات وزيارات منزلية مع أهالي المنطقة للاستماع إلى آرائهم، وجدنا أن موضوع العنف والتنمر في المدارس من أكثر ما يقلقهم، وخاصة انه آخذ في الازدياد، حيث أن ظاهرة التنمر في المدارس قضية تؤثر على العديد من الطلاب والطالبات في عمر المراهقة، وهي ذات صلة وثيقة بالنوع الاجتماعي ومفهومي الذكورة والأنوثة، و تشكل الهوية الجندرية بالأخص عند الذكور، نجدها من خلال التصرفات التي يقوم بها الشاب لتعزيز وإظهار "رجولته" المرتبطة بالسيطرة والعنف وإظهار القوة، هذا التأييد الذي وجدناه من الأهالي دفعنا للمضي قدما في المبادرة التي أسميناها "حوارنا سر نجاحنا" وبدعم من شبكة أنهر وهيفوس.

 

قمنا بالتواصل مع مجموعة من مدراء المدارس لنحصل على تأييدهم للفكرة، واجهنا بعض التردد والممانعة في البداية ولا سيما في مدارس الذكور، إلا أننا نجحنا في إقناعهم،باشرنا في الإجراءات والمخاطبات الرسمية اللازمة مع مديرية التربية والتعليم للحصول على الموافقة الخطية لتنفيذ المبادرة فقمنا بالتواصل المباشر معمدير التربية والتعليم في البلقاء ومنسق مجلسالتطوير التربوي ورئيسة قسم الإرشاد، وحصلنا على الموافقات اللازمة والدعم اللازم، في نفس الوقت شكلنا لجنة تنسيقية، ونفذنا جلسات للنقاش مع الأهل والمعلمين والطلاب، كما تم تطوير مادة تدريبية منبثقة عن أهم المشاكل التي تم جمعها من خلال الجلسات، والتي تؤكد على أهمية الحوار كبديل للعقاب التربوي لحل المشكلات، والتعامل مع قضايا الطلبة، وأهمية المبادرات والأنشطة لتفريغ طاقات الطلبة، وانطلقنا بالتركيز على دمج جميع الاطراف المعنيه بالتعليم (أولياء الأمور، المدراء، المشرفين، القيادين في المجتمع، المعلمين، مجالس التطوير التربوي) بالحوار لتقريب وجهات النظر بين الأبناء وأهاليهم من جهة وبين المعلمين و طلابهم من جهة أخرى، للمساهمة في التصدي للعنف وكيفية التعامل السليم مع هذه الظاهرة مع جميع المعنيين خاصة الطلبة، وتفعيل دور مجالس أولياء لمتابعة القضية.

 

حققنا نجاحاً كبيراً، جعل وزارة التربية والتعليم تعرض المبادرة على موقعها الالكتروني، وتعاونت مع الجمعية لتنفيذ مبادرة أخرى، للسمعة الطيبة التي اكتسبتها الجمعية خلال التنفيذ، أصبح هناك تواصل مباشر بين الأهالي والمدرسة، وأصبح الأهالي يشعرون أنهم جزء من هذه المنظومة، زادت ثقة أهالي المنطقة بالمدرسة والمعلمين، أصبح هناك مرشد متنقل للمدارس التي لا يتوفر فيها مرشد تربوي، من مهامه التوعية والتوجيه والحد من العنف بين الطلبة من خلال البرامج الإرشادية التي تقدم في المدرسة، وإتباع الإجراءات الوقائية والعلاجية لمعالجة المشاكل الطلابية بالتعاون الوثيق بين البيت والمدرسة ومجالس الطلبة.

 

هذه التجربة مهمة جدا لي، كنت اتجنب مواجهة العقبات التي تواجهني بحياتي، نادراً ما كنت أواجه زملائي أو أهلي أو حتى أطفالي برأيي المغاير، لكن هذه المبادرة ومنهجية العمل التي اتبعناها والتي تضمنت إشراك جميع الفئات وأخد رأيهم، جعلتني أدرك، أننى كنت أجلد ذاتي، وبدأت أتساءل، لماذا لا أعترض عندما لا يعجبني شيئاً ما؟ لماذا لا أحاول أن اعترض وان اقول لا؟ وأذكر نفسي بهذا دائماً،أحاول ان لا أستسلم ابداً مهما واجهت من صعوبات بل أجدها فرصة لإيجاد بديل أفضل، حتى داخل البيت، لاحظ الجميع حولي التغيير، وأصبحت أسمع بعض التعليقات مثل "قويانة"، "متغيرة"، لكني لم اعد أكترث وزاد إيماني بنفسي، وبقدرتي على الدفاع عن ذاتي وعن قناعاتي حتى لو لم تناسب غيري".

للاطلاع على الفيديو اضغط هنا